me3amELkher

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ميعام الخير الجديد


    تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(1)

    ona
    ona
    مشرف
    مشرف


    عدد المساهمات : 100
    تاريخ التسجيل : 27/02/2010
    العمر : 42
    الموقع : القاهرة

    تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(1) Empty تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(1)

    مُساهمة  ona الأربعاء مارس 10, 2010 12:27 pm

    فضيلة الشيخ / محمد بن جميل زينو


    هذه السورة جمعت أنواع التوحيد، ولا سيما توحيد العبادة الذي خلق الله العالم لأجله، وأرسل الرسل لتحقيقه، وهو موجود في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينٌُ﴾. ولأن معاني القرآن ترجع إلى ما تضمنته ...


    إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
    أما بعد: فإني أقدم للقراء تفسير سورة الفاتحة، لأنها أعظم سورة في القرآن، ولأن المصلي يقرأها في صلاته، فكان لازماً عليه أن يفهم معناها ليخشع في صلاته، ويدخل في قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونٌَ﴾

    وهذه السورة جمعت أنواع التوحيد، ولا سيما توحيد العبادة الذي خلق الله العالم لأجله، وأرسل الرسل لتحقيقه، وهو موجود في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينٌُ﴾. ولأن معاني القرآن ترجع إلى ما تضمنته هذه الآية والسورة .

    وكانت أهم مراجعي:
    تفسير الطبري وإبن كثير، ومختصراته . وقد ذكرت الأحاديث الواردة في فضل وتفسير الفاتحة، وما تهدي إليه الآية والسورة والأحاديث من فوائد، ونبهت على الأخطاء الشائعة في قراءة الفاتحة وغيرها من المواضيع المهمة . ومن أراد المزيد فليقرأ الكتاب والمحتويات في آخره .
    والله أسأل أن ينفع به المسلمين، ويجعله خالص لوجهه الكريم.

    سورة الفاتحة وأسماؤها:
    سورة الفاتحة مكية، وهي سبع آيات بلا خلاف.
    وأسماؤها:
    1- أم القرآن: قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خداج، خداج، خداج، غير تمام) .
    2- أم الكتاب: قال البخاري: وسميت أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة .
    3- السبع المثاني: لقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمٌَ﴾ .
    4- القرآن العظيم: لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمٌَ﴾ .
    ودليل هذه الأسماء الأربعة من الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم-: الحمد لله رب العالمين: أم القرى، وأم الكتاب، والسبع المثاني، والقرآن العظيم) .
    5- فاتحة الكتاب: لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) .
    ولأنها يُفتح بها القراءة في الصلاة .
    6- الصلاة: لقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي) .... الحديث. فسميت الفاتحة صلاة لأنها شرط فيها .
    7- الحمد: لقول الله تعالى: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينٌَ﴾
    8- الرقية: لقوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي سعيد: (وما يدريك أنها رقية) .
    9- أساس القرآن: سماها ابن عباس .
    10- الواقية: سماها سفيان بن عُيينة .
    11- الكافية: سماها يحي بن كثير .

    من فضائل سورة الفاتحة:
    الحديث الأول: عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: (كنت أصلي فدعاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: فأتيته، فقال: ما منعك أن تأتيني ؟ قال: قلت: يا رسول الله إني كنت أصلي، قال: ألم يقل الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمٌْ﴾.
    ثم قال: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد، قال: فأخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت: يا رسول الله، إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن، قال: نعم: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينٌَ﴾ هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته) .

    من فوائد الحديث:
    1- جواز دعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- وندائه لمن يصلي النافلة، وهي خاصة له، وفي حياته، وكذلك للأم حق نداء الولد في صلاة النافلة، وله شاهد من حديث الراهب الذي دعته أمه في الصلاة فلم يجبها، فدعت عليه، فاستجاب الله دعاءها، كما في الحديث الذي رواه مسلم .
    أما غير الرسول والأم فلا يجوز نداء أحد في صلاته ولا يجب على المصلي إجابة النداء في صلاته إلا إذا كان لإنقاذ إنسان من خطر محقق، أو لضرورة .
    2- وجوب تلبية نداء الرسول -صلى الله عليه وسلم- لقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمٌْ﴾ .
    3- حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على تعليم أصحابه ما ينفعهم، وتشويقه لهم: (لأعلمنك أعظم سورة في القرآن) .
    4- حرص الصحابي على العلم، وتذكيره للرسول -صلى الله عليه وسلم- بما وعده به، وذلك حين قال له: يا رسول الله، إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن .
    5- استجابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لتذكير الصحابي، ووفاؤه بما وعده وعلمه (الحمد لله رب العالمين) .
    6- في الحديث دليل على أنَّ الفاتحة أعظم سورة في القرآن وهي السبع المثاني والقرآن العظيم.

    الحديث الثاني: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا في مسير لنا، فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سليم (أي لديغ)، وإن نفرنا غُيب فهل منكم راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه (أي نعيبه أو نتهمه) برقية، فرقاه فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة، وسقانا لبناً، فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن ؟ أو كنت ترقي ؟ قال: لا، ما رقيت إلا بأم الكتاب، قلنا: لا تحدث حتى نأتي ونسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما قدمنا المدنية ذكرناه للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (وما كان يدريه أنها رقية ؟ إقسموا واضربوا لي بسهم) .
    وفي رواية مسلم: أن أبا سعيد هو الذي رقى المريض .

    من فوائد الحديث:
    1- الرجوع عند الاختلاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليحكم بينهم: قال الله تعالى: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلٌ﴾ والرد إلى الله يكون بالرجوع إلى كتاب الله، أما الرد إلى الرسول فيكون بالرجوع إليه عندما كان حياً، والرجوع إلى سنته وأقواله بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم-، وفي الحديث: (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض) .

    2- التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- واجب على الصحابة والمسلمين .

    3- جواز الرقية بالفاتحة، وما جاء في السنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-..

    4- علاج اللديغ يكون بقراءة الفاتحة والدعاء، وبالتداوي والأخذ بالأسباب: قال -صلى الله عليه وسلم-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء) .

    5- جواز أخذ الراقي الأجر على الرقية الشرعية، فالراقي أحقُ بالأجر من الشخص الذي يعالج علاجاً مادياً كالطبيب أو غيره، وهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أحقُ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) فليس المراد بهذا الحديث أن يأخذ الإنسان أجراً على قراءة القرآن على الأموات، أو على الأحياء لإسماع الناس التلاوة، فإن هذا لم يفعله النبي صلى الله ع ليه وسلم، والأئمة المجتهدون .

    6- جواز رقية المسلم لغير المسلم: حيث جاء في رواية البزار في حديث جابر: (فقالوا لهم: قد بلغنا أن صاحبكم جاء بالنور والشفاء، قالوا: نعم) لأنهم قالوا: صاحبكم، ولم يقولوا: رسول الله .

    فوائد الرقية بالفاتحة:
    1- قال ابن القيم في "الجواب الكافي" في الصفحة الثالثة: فقد أثر هنا الدواء في هـذا الداء وأزاله، حتى كأنه لم يكن، وهو أسهل دواء وأيسره، ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيراً عجيباً في الشفاء، ومكثت بمكة مدة تعتريني أدواء، ولا أجد طبيباً ولا دواء، فكنت أعالج نفسي بالفاتحة، فأرى لها تأثيراً عجيباً، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً، فكان كثير منهم يبرأ سريعاً .

    2- ولكن هاهنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الأذكار والآيات أو الأدعية التي يُستشفى بها، ويُرقي بها هي نفسها نافعة شافعة، ولكن تستدعي بها، ويُرقى بها هي نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعي قبول المحل، وقوة همة الفاعل، وتأثيره، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول المنفعل، أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجح فيه الدواء، كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية، فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة -أي: طبيعة البدن- لذلك الدواء، وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره، فإن الطبيعة -أي: الأجسام- إذا أخذت الدواء لقبول تام كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول، فكذلك القلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام، وكان للراقي نفسه فعالة، وهمة مؤثرة في إزالة الداء. انتهى .

    الحديث الثالث: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعنده جبريـل إذ سمع نقيضاً (أي صوت) فوقه، فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: هذا باب قد فُتح من السماء ما فُتح قط، قال: فنزل منه ملك، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما، لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة: لم تقرأ حرفاً منها إلا أوتيته) .

    من فوائد الحديث:
    1- نزول جبريل عليه السلام، وزيارته للنبي أحياناً .
    2- حدوث صوت في السماء يدل على أمر مهم .
    3- للسماء باب لم يفتح قط، ونزول ملك تكريماً له -صلى الله عليه وسلم- .
    4- الملك يُبشر النبي -صلى الله عليه وسلم- بنورين قد أعطاهما الله لـه ولم يعطهما لنبي قبله .
    النوارن: هما: فاتحة الكتاب، وأواخر سورة البقرة، وفاتحة الكتاب: هي سور الحمد، وخواتيم سورة البقرة هما الآيتان: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرٌُ﴾
    ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينٌَ﴾ .

    مواضيع الاستعاذة وفضلها:
    1- عند تلاوة القرآن: لقول الله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمٌِ﴾ أي: قل قبل القراءة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
    2- في الصلاة قبل الفاتحة. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في صلاة التهجد: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه) .
    معنى: همزه: خنقه، ونفخه: كبره، ونفثه: شعره. ويجوز غيرها مثل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
    3- عند الغضب: عن سليمان بن صرد قال: (استب رجلان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن عنده جلوس، فأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمرّ وجهه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم") .
    4- عند دخول الخلاء: فعن أنس قال: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) .
    5- عند نباح الكلاب، ونهيق الحمير: قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا سمعتم نباح الكلاب، ونهيق الحمير بالليل، فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنهن يرين ما لا ترون) .
    6- عند الأرق والفزع: كان -صلى الله عليه وسلم- يُعلم أصحابه أن يقولوا: (أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون) .
    7- عند الرقية: كان -صلى الله عليه وسلم- يُعوّذ الحسن والحسين ويقول: (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامّة، ومن كل عين لامة) .
    الهامة: ذات السم كالحية . اللامة: نظرة العين بسوء .
    8- عند دخول المسجد: كان -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل المسجد قال: (أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم) .
    قال: فإذا قال ذلك: قال الشيطان: حُفظ من سائر اليوم .

    معنى الاستعاذة:
    معنى: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" أي: أستجير بجناب الله من الشيطان أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نُهيت عنه، فان الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله، ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه، ليرده طبعه عمّا هو فيه من الأذى، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن، لأنه لا يقبل رشوة، ولا يؤثر فيه جميع، لأنه شرير بالطبع، ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه.
    والشيطان في لغة العرب: مشتق من "شطن" إذا بعُدَ، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر، وبعيد بفسقه عن كل خير .
    وقـال سيبويه: العرب تقول "تشيطن فلان" إذا فعل فعل الشياطين و "الشيطان" مشتق من البعد، على الصحيح ولهذا يُسمون كل من تمرد من جني وإنسي وحيوان "شيطاناً". قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونٌَ﴾

    مواضيع "بسم الله" وفضلها:
    1- عند الوضوء:
    قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا صلاة لم لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) [رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي وقال ابن كثير: إنه حديث حسن]

    2- تُذكر عند الذبح وعند الاصطياد:
    أ- قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌٌ﴾
    ب- وقال الله تعالى: ﴿فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهٌِ﴾ .
    ج- سأل عدي بن حاتم الطائي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن حكم الصيد بالكلب إذا وجد مع كلبه كلباً آخر: "لا أدري أيهما قتله ؟ " فقال: (لا تأكل، فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره) .

    3- عند ابتداء الطعام والشراب:
    قال عمر بن أبي سلمة: كنت غلاماً في حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال: (يا غلام سَمَ الله، وكُلْ بيمينك، وكُل مما يليك) .

    4- للرقية من الوجع والمرض:
    أ- شكا عثمان بن أبي العاص الثقفي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعاً يجده في جسده منذ أسلم:
    فقال لـه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ضع يدك الذي تألم من جسدك، وقل "بسم الله" ثلاثاً وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) .
    ب- عن أبي سعيد الخدري أن جبريل أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (يا محمد، اشتكيت ؟ فقال: نعم، قال: بسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك، من شر كل نفس، أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك) .

    5- عند دخول المسجد والخروج منه، فعن أنس قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل المسجد قال: بسم الله، اللهم صل على محمد اللهم أفتح لي أبواب رحمتـك، وإذا خرج قال: بسم الله، اللهم صل على محمد اللهم أفتح لي أبواب فضلك) .

    6- عن إتيان الرجل امرأته:
    عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: "بسم الله" اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبد) .

    7- كلما أصبح وكلما أمسى:
    عن عثمان بن عفان رضـي الله عنـه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: " بسم الله الذي لا يضر مع إسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شئ) .

    8- التسمية على مرافق البيت عند النوم:
    عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم، فاغلقوا الأبواب وأذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، وأوكلوا قربكم وأذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم وأذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئاً، وأطفئوا مصابيحكم) .

    9- عند الخروج من المنزل وعند الدخول:
    أ- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال حينئذ، هديت وكفيت ووقيت فتتنحى له الشياطين) .
    ب- عن جابر بن عبدالله، أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عز وجل عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان أدركتم البيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء) .

    10- عند ركوب الدابة أو السيارة أو الطائرة أو الباخرة:
    كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا ركب دابة قال: بسم الله، الحمد لله ﴿سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينٌَ﴾ .

    11- وتذكر البسملة كاملة في موضعين هما:
    أ- عند التلاوة (بسم الله الرحمن الرحيم). في بداية السور، سواء كان في الصلاة أو خارج الصلاة .
    ب- عند كتابة الرسائل: ودليله قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمٌِ﴾ .
    كما افتتح الرسول -صلى الله عليه وسلم- رسالته التي بعثها إلى هرقل ملك الروم (بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين) .

    معنى "بسم الله":
    قال ابن كثير: قوله: "بسم الله" هو اسم أو فعل (متقاربان)، وكل قد ورد به القرآن: أما من قدره باسم تقديره: بسم الله ابتدائي، فلقوله تعالى: ﴿وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌٌ﴾ .
    ومن قدره بالفعل فلقوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقٌَ﴾
    وكلاهما صحيح، فإن الفعل لا بد له من مصدر، فلك أن تقدر الفعل ومصدره، وذلك بحسب الفعل الذي سميت قبله، إن كان أكلاً أو شرباً أو قراءة أو وضوءاً أو صلاة .
    فالمشروع ذكـر اسم الله في الشروع في ذلك كله، تبركاً وتيمناً واستعانة على الإتمام والتقبل، والله أعلم .

    (الله): علم على الرب تبارك وتعالى، ويقال، إنه الاسم الأعظم، لأنه يوصف بجميع الصفات، كما قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمٌُ﴾. فأجرى السماء الباقية كلها صفات له: قال تعالى: ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهٌَ﴾ .
    عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة) .
    ومعنى أحصاها: أي فهم معناها حق الفهم وعمل بحقها، وحقها أن يكون موحداً بها توحيد الذات، وتوحيد الصفات، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية من كل جوارحه، وفي قرارة نفسه، ثم مات على ذلك من التوحيد الخالص دون أن يخل بأي معنى من معانيها، وله من العمل ما لا ينافيها لا قولاً، ولا اعتقاداً دخل الجنة .
    أما فهم معنى الإحصاء بالحفظ غيباً، فإن كثيراً من الناس من يحفظها ويغيبها عن ظهر قلب ويرددها بسرعة دون تفهم لمعانيها، وله من العمل ما ينافيها، فهذه المنافاة نقض القول، ومثل هذا لا يكون قد أحصاها إذ ليس المقصود من الإحصاء إلا الفهم والإخلاص .

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
    عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان لا يعرف فصل الصورة حتى ينزل عليه "بسم الله الرحمن الرحيم")
    واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة "النمل" ثم اختلفوا هل هي آية مستقلة في أول كل سورة، أم أنها في الفاتحة دون غيرها، أو إنها للفصل بين السور، والأرجح أنها للفصل بين السور، كما سبق من قول ابن عباس الذي رواه أبو داود آنفاً، ومن قال إنها آية من الفاتحة، فقد رأى الجهر بها في الصلاة، والذين لم يروا فقد أسروا بها. ولكل من أصحاب القولين جماعة من الصحابة رأوا ما رأوا ...

    من هداية الآية:
    1- إن﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمٌِ﴾ جزء من آية من سورة النمل .
    2- إن﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمٌِ﴾ للفصل بين السور .
    3- إن﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمٌِ﴾ أول آية من سورة الفاتحة .
    أ- قال الرسـول -صلى الله عليه وسلم-: (الحمد لله رب العالمين) أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني ...) ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمٌَ﴾
    ب- عن أم سلمة: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ الفاتحة، وعدّ البسملة آية منه) .

    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ:
    الحمد لله الشكر له خالصاً دون سائر ما يُعبد من دونه، ودون كل ما برأ من خلقه بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحد من غير استحقاق منهم ذلك عليه، فلربنا الحمد على ذلك أولاً وآخراً .

    والألف واللام في الحمد، لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه لله تعالى: كما جاء في الحديث: (اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله) .

    رب العالمين: الرب: هو المالك المنتصرف، ولا يقال: (الرب ) معرفاً بالألف واللام إلا لله تعالى، ولا يجوز استعمال كلمة الرب لغير الله إلا بالإضافة ... فنقول: رب الدار، ورب السيف، وأما الرب فلا يقال إلا لله عز وجل .

    العالمين: جمع عالم، وهو كل موجود سوى الله جل وعلا، والعالَم جمع لا واحد له من لفظه، والعوالم أصناف المخلوقات في السموات والأرض في البر والبحر، فالإنس عالّم، والجن عالّم، والملائكة عالّم ..
    وهكذا قال بشر بن عمارة بسنده عن ابن عباس: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينٌَ﴾ الحمد لله الذي له الخلق كله في السموات والأرض وما فيهن وما بينهن مما نعلم ومما لا نعلم .
    وقال ابن جرير رحمه الله: (الحمد لله): ثناء أثنى به على نفسه، وفي ضمنه أمر عبادة أن يثنوا عليه، فكأنه قال: قولوا الحمد لله .
    قال: وقد قيل: إن قول القائل: " الحمد لله " ثناء عليه بأسمائه وصفاته الحسنى، وقوله: "الشكر لله" ثناء عليه بنعمه وأياديه .

    من هداية الآية:
    1- الحمد يكون لله فقط ولا يكون لغيره، لأنه رب العالمين .
    2- أما الشكر فيكون لله ولغيره، قال الله تعالى:
    ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرٌُ﴾ .
    3- في الآية توحيد الرب الذي كان يعترف به المشركون: قال تعالى عن المشركين: ﴿قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونٌَ﴾ .
    فالمشركون اعترفوا بأن الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، كما اعترفوا بأن الله خالقهم، ولكن هذا الاعتراف لم يستفيدوا منه، لأنهم أشركوا بالله حينما دعوا وعبدوا غيره .

    فضل "الحمد لله" ومواضعها:
    1- بعد الأكل والشرب: لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
    أ- (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليه) .
    ب- وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من أكل طعاماً فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غُفر له ما تقدم من ذنبه) .

    2- عند النوم: عن أنس رضي الله عنه:
    أ- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أوى إلى فراشه قال: (الحمد الله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوى).
    ب- وعن علي رضي الله عنه: أن فاطمة رضي الله عنها شكت ما تلقى في يدها من الرحى، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- بسبى (عبيد) فانطلقت، فلم تجده، فوجدت عائشة فأخبرتها. فلما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته عائشة بمجئ فاطمة، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- الينا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت لأقوم، فقال: (على مكانكم) فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، وقال: (ألا أعلمكمـا خيراً مما سألتماني ؟ إذا أخذتما مضاجعكما: فكبرا أربعاً وثلاثين، وسبحا ثلاثاً وثلاثين، وأحمدا ثلاثاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم). ويجوز أن يقال قبل النوم: (سبحان الله 33) و (الحمد لله 33) و (الله أكبر 33) .

    3- عند الاستيقاظ من النوم: عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول: (باسمك اللهم أحيا وأموت) .
    وإذا استيقظ قال: (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا واليه النشور) .

    4- عند العطاس: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا عطس أحدكم فليقل "الحمد لله" وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم) .

    5- عند رؤية مبتلى: عن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من رأى صاحب بلاء فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، إلا عوفي من ذلك البلاء كائناً ما كان ما عاش) .

    6- بعد الرفع من الركوع: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: " ربنا ولك الحمد" فإنه من وافق قوله قول الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه) .

    7- بعد الصلاة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من سبح الله في دُبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك الله، لـه الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير، غُفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) . "دبر كل صلاة: بعد كل صلاة"

    8- عند الاستيقاظ من النوم ليلاً: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من تعارّ من الليل (أي استيقظ) فقال: لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير، سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم أغفر لي، فإن دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قُبلت صلاته) .


    الرَّحْمَنِ الرَّحِيم:
    الرحمن الرحيم: إسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، والرحمن أشد مبالغة من الرحيم، والرحمن مشتق، ودليل ذلك عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (قال الله تعالى: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) .
    قال القرطبي: هذا نص في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشقاق .
    روى ابن جرير بسنده عن العزرمي يقول: "الرحمن الرحيم" قال: الرحمن: لجميع الخلق، الرحيم: قال: المؤمنين.
    قالوا: ولهذا قال تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنٌُ﴾ .
    وقال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٌ﴾
    فذكر الاستواء باسمه الرحمن، ليعم جميع خلقه برحمته .
    وقال: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًٌ﴾ فخصهم باسمه الرحيم .
    قالوا: فدل على أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمن من (الرحيم) لعمومها في الدارين .

    الرحمن عام والرحيم خاص
    الرحمـن: أي يرحـم أهل الدنيا والآخرة، و (الرحيم) خاص بالمؤمنين يوم القيامة، إن الله يرحم المؤمنين والكافرين في الدنيا على السواء وذلك من نواحي أمورهم المعاشية، وأسباب حياتهم، وما يكفل لهم حياتهم الدنيا، فرحمته هنا عامة وإذا لم تكن الرحمة هذه عامة، لا تتكامل أسباب التكليف من الإنعام عليهم بنعمة العقد الذي بواسطته يعرفون الحق من الباطل، ونعمة تسخير ما في الكون ليستفيد منها أهل الأرض من الإنس والجن. ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعٌ﴾، فتكامل أسباب التكليف في الدنيا سيكون عليه في الآخرة مدار الحساب .
    وأما ما جاء في الدعاء المأثور: (يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهم)، فقوله: رحيمهما محمول على معنى أنه يرحم المؤمنين في الدنيا فيما أطاعوه من الإيمان به، وتنفيذ أوامره، واجتناب نواهيه وتسهيل سبل ذلك لهم، ويرحمهم في الآخرة بإدخالهم الجنة جزاء ما أسلفوا من إيمان وطاعة: فطاعتهم لـه في الدنيا رحمة منه تعالى، وجزاؤهم بالجنة، رحمة منه تعالى، وهذا معنى قوله: رحيمهما، والله أعلم .

    فائدة مهمة:
    قوله تعالى: ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمٌِ﴾ وصف نفسه بأنه الرحمن الرحيم، لأنه لما كان في اتصافه ب﴿رَّبِّ الْعَالَمِينٌَ﴾ ترهيب قرنه بـ ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمٌِ﴾ لما تضمن من الترغيب ليجمع في صفاته بين الرهبة منه والرغبة إليه، فيكون لـه أعون على طاعته وأمنع كما قال: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمٌَ﴾، وقال تعالى: ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابٌِ﴾ .

    من هداية الآية
    1- الرحمن: اسم خاص بالله تعالى لا يجوز تسمية غيره به، ولا بأي اسم خاص له. ومثله: "الله، والخالق، والرازق، ونحو ذلك"
    2- الرحيم: اسم وصفة لله تعالى، وقد وصف به غيره: قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌٌ﴾. ومثل الرحيم: السميع والبصير، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًٌ﴾ .
    3- في الآية دليل على توحيد الأسماء والصفات: (الرحمن الرحيم).
    ona
    ona
    مشرف
    مشرف


    عدد المساهمات : 100
    تاريخ التسجيل : 27/02/2010
    العمر : 42
    الموقع : القاهرة

    تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(1) Empty رد: تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(1)

    مُساهمة  ona الأربعاء مارس 10, 2010 12:28 pm

    تفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن(2)
    فضيلة الشيخ / محمد بن جميل زينو


    قال ابن القيم: وسر الخلق، والكتب والشرائع، والثواب والعقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين، وعليهما مدار العبودية والتوحيد، حتى قيل: أنزل الله مائة كتابة وأربعة: جمع معانيها في التوراة والإنجيل، ...


    مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ:
    1- قرأ بعض القراء: ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ .
    2- وقرأ آخرون: ﴿مَلِك﴾ وكلا القراءتين صحيحة متواتر في السبع، وليس تخصيص المُلك بيوم الدين خاصاً بيوم الدين من غير الدنيا، فهو مالك يومي الدنيا والدين لأنه تقدم الإخبار بأنه ربُ العالمين، وذلك عام في الدنيا والآخرة، إنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي هناك أحد شيئاً غيره ولا يتكلم أحد إلا بإذنه كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابً﴾ .
    3- وقال الضحاك عن ابن عباس ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ يقول: لا يملك من أحد في ذلك اليوم حكماً كملكهم في الدنيا .
    4- ﴿يَوْمِ الدِّينِ﴾: يوم الحساب للخلائق، وهو يوم القيامة، يدينهم بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر، إلا من عفا عنه .

    من هداية الآية:
    1- الملك في الحقيقة هو الله عز وجل، وهو مأخوذ من المُلك (بضم الميم)، قال الله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ .
    وفي الحديث: (أختــع اسـم عند الله من تسمى بملك الأملاك، ولا مالك إلا الله) . –أختع: أذل وأقهر-.
    قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكً﴾ . فتسمية طالوت بالملك مجاز، وفي الحديث: (مثل الملك على الأسرة) .
    2- المالك في الحقيقة هو الله عز وجل، وهو مأخوذ من المِلك (بكسر الميم) وتسمية غيره في الدنيا مجاز) .
    قال تعالى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾ –فالمساكين كانت السفينة ملك لهم في الدنيا-.

    إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ:
    1- ﴿إِيَّاكَ﴾ مفعول قدم للحصر، ليحصر مراد المتكلم فيما يريد أن يفصح عنه .
    2- ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة، والعبادة في اللغة من الذلة، يقال: طريق معبد، وبعير معبد، أي مذلل، وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف، وهي خاصة بالله سبحانه وتعالى .
    3- قال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن وسرها – أي الفاتحة – هذه الكلمة: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ .
    فالأول أي: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ تبرؤ من الشرك .
    والثاني أي: ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ تبرؤ مـن الحول والطول والقوة، والتفويض إلى الله عز وجل .
    4- في هذه الآية: تحول الكلام من صيغة الغائب إلى صيغة المخاطب بكاف الخطاب بقوله ﴿إِيَّاكَ﴾ وذلك مناسب، لأن العبـد لما حمد الله وأثنى عليه ومجده وتبرأ من عبادة غيره، ومن الاستعانة بسواه، فكأنه اقترب من الله عز وجل، وأصبح حاضراً بين يديه تعالى، فناسب أن يخاطبه بكاف الخطاب بقوله ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ .
    وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ إياك نوحد ونخاف ونرجوا يا ربنا لا غيرك، ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ على طاعتك، وعلى أمرنا كلها.
    وقدم: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ على ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ لأن العبادة هي الغاية، والاستعانة هي الوسيلة إليها –ابن كثير- .

    قال ابن القيم في مدارج السالكين: وسر الخلق، والكتب والشرائع، والثواب والعقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين، وعليهما مدار العبودية والتوحيد، حتى قيل: أنزل الله مائة كتابة وأربعة: جمع معانيها في التوراة والإنجيل، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن في الفاتحة في: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ .

    من هداية الآية:
    1- ذكر علماء اللغة العربية أن الله تعالى قدم المفعول به (إياك) على الفعل (نعبد) و (نستعين) ليخص العبادة والاستعانة به وحده، ويحصرها فيه دون سواه، فيكون معناها: (نخصك بالعبادة والاستعانة وحدك) أو ( لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك يا الله).
    وأركان العبادة: الإخلاص والمحبة والرجاء والخوف، وعبادة الله وحده بما شرعه الله، حسب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    2- معنى العبادة والاستعانة في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ إياك نوحد ونخاف ونرجو.
    ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ على طاعتك، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾

    3- إن العبادة في هذه الآية تعم جميع العبادات كلها، مثل الصلاة، والذبح، والنذر، ولا سيما الدعاء لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (الدعاء هو العبادة). فكما أن الصلاة عبادة لا تجوز لرسول، ولا لولي، فكذلك الدعاء عبادة، فهو لله وحده لا لغيره. ﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدً﴾ . ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله).
    يقول الإمام النووي في تفسير هذا الحديث ما خلاصته: إذا طلبت الإعانة على أمر من أمور الدنيا والآخرة، فاستعن بالله، ولا سيما في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله: كشفاء المرض، وطلب الرزق والهداية، فهي مما اختص الله بها وحده، قال تعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ﴾ .

    4- وأما الاستعانة بالأحياء الحاضرين فيما يقدرون عليه من مداواة مريض، أو بناء مسجد، وغير ذلك فهي جائزة لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). ومن أمثلة الاستعانة الجائزة قول الله في طلب ذي القرنين من قومه:﴿فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ﴾.

    5- إن هذه الآية ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ التي يكررها المسلم عشرات المرات في الصلاة هي خلاصة سورة الفاتحة، وهي أعظم سورة في القرآن .

    6- في الآية توحيد العبادة لله الذي دعت إليه جميع الرسل، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾. –والطاغوت: كل ما عُبد من دون الله برضاه - .

    اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ:
    لما تقدم الثناء على المسؤول تبارك وتعالى ناسب أن يعقب بالسؤال كما قال: (فنصفها لعبدي ولعبدي ما سأل) وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسؤوله ثم يسأل حاجته، وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ وفي هذا دليل على الحض على التوسل بالصفات العلى وبالأعمال الصالحة فقد حمد الله وأثنى عليه ومجده بصفاته. (رب العالمين، الرحمن الرحيم – مالك يوم الدين).
    ثم أفرده بالعبادة والاستعانة: فبعد أن قدم بين يدي ربه هذه الأعمال الصالحة تقدم منه سائلاً حاجته وهي أن يهديه وإخوانه المؤمنين صراطه المستقيم الذي هو الإسلام الصحيح الخالي من الزيادة والنقصان، النفي من كل بدعة وخرافة، هذا الصراط الذي هو أقرب الطرق للوصول إلى ما يحب الله ويرضى طبق ما أمر، وبلغ رسول الله، وإذا أمعن المسلم في آيات القرآن فإنه يرى جميع آيات الدعاء، لا بد أن يسبقها توسل إلى الله تعالى إما بدعائه، أو بذات الله ـ أو بأسمائه الحسنى، أو صفاته العلى، أو بالأعمال الصالحة التي يتقرب بها إلى ربه، أو أن يتوسل إليه بدعاء إخوانه المؤمنين له بالدعاء لهم، قال الله تعالى على لسان ذي النون عليه السلام: ﴿لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.
    فإن ذا النون لما ابتلعه الحوت لم يجد من التوسل إلى الله أقرب من توحيده تعالى وتنزيهه.
    والهداية هاهنا: الإرشاد والتوفيق، وقد تعدي الهداية بنفسها كما هنا ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ فتضمن معنى: ألهمنا، أو وفقنا، أو أرزقنا، أو أعظنا .
    ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾، أي بينا له الخير والشر وقد تعدي بإلى كقوله تعالى: ﴿اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.
    ﴿فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ وذلك بمعنى الإرشاد والدلالة، كذلك قوله: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، وقد تُعدي باللام، كقول أهل الجنة:
    ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَ﴾ أي وفقنا لهذا وجعلنا له أهلاً .
    وأما (الصراط المستقيم) فقال الإمام الطبري: أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعاً على أن: (الصراط المستقيم) هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وذلك في لغة جميع العرب .
    ولهذا قال الإمام الطبري -رحمه الله-: والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي، أعني ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ أن يكون معنياً به، وفقنا للثبات على ما أرتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك، من قول وعمل، وذلك هو الصراط المستقيم، لأن من وُفق لما وُفق لـه من أنعم الله عليه من النبيين والصديقين والشهداء، فقد وُفق للإسلام وتصديق الرسل، والتمسك بالكتاب، والعمل بما أمره الله به والانزجار عمّا زجره عنه، واتباع منهاج النبي صلى الله عليه وسلم ومنهاج الخلفاء الأربعة، وكل عبد صالح، وكل ذلك من الصراط المستقيم .

    من هداية الآية:
    1- الترغيب في دعاء الله وحده، ولا سيما الهداية إلى الصراط المستقيم، لأن الله تعالى يقول: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ وقال جماعة من الصحابة: (الصراط: الإسلام )

    2- علمنا الله أن نسأله الصراط المستقيم خالياً من أهله وأصحابه، فإذا عرفنا الصراط ومعالمه عرفنا أهله، وحينئذ يقول القارئ ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾. فاعرف الحق تعرف أهله، فالحق: هو الصراط، وأهله: الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا .

    صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ:
    1- ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾ مفسر للصراط المستقيم، والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في قوله الله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمً﴾ .

    2- وقال الضحاك عن ابن عباس: صراط الذين أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من ملائكتك وأنبيائك والصديقين والشهداء والصالحين وذلك نظير ما قال ربنا في الآية السابقة .

    من هداية الآية:
    1- الترغيب في طلب الهداية إلى الصراط المستقيم: صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .
    2- الترغيب في سلوك سبيل الصالحين – الذين مدحهم الله وأثنى عليهم – وموالاتهم، والسير على طريقهم .

    غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ:
    1- قوله تعالى: ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾: أي غير صراط المغضوب عليهم: المغضوب عليهم: هم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه .
    2- وغير صراط الضالين: وهم الذين فقدوا العلم هائمون في الضلالة، لا يهتدون إلى الحـق وأكد الكلام بـ (ل) ليدل أن ثم مسلكين فاسدين وهما: طريقة اليهود وطريقة النصارى .
    3- وإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم والعمل به، واليهود فقدوا العمل والنصارى فقدوا العلم، ولهذا كان الغضب لليهود، والضلالة للنصارى، لأن من عَلِم وترك استحق الغضب بخلاف من لم يعلم .
    4- والنصارى كما كانوا قاصدين شيئاً لكنهم لا يهتدون إليه لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه وهو اتباع الحق فضلوا، وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليهم. لكن أخص أوصاف اليهود الغضب عليهم: قال تعالى عنهم: ﴿مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ .
    5- وأخص أوصاف النصارى الضلال كما قال تعالى: ﴿قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ﴾ .
    6- روى حماد بن سلمة عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ﴾ قال اليهود .
    ﴿وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ قال النصارى هم الضالون
    7- وروى ابن مردويه عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ﴿المَغضُوبِ عَلَيهِمْ﴾ قال: اليهود، قلت: ﴿وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ قال: النصارى .

    من هداية الآية:
    1- التحذير من صراط المغضوب عليهم، وهم اليهود الذين فسدت إرادتهم فعرفوا الحق وعدلوا عنه، ولـم يعملوا به، لأن من علم الحق وتركه استحق الغضب من الله تعالى .
    2- التحذير من صراط الضالين: وهم النصارى الذين فقدوا العلم، فهاموا في الضلال، لا يهتدون إلى الحق، فعلى المسلمين ألا يتركوا العلم والعمل، حتى لا يكونوا مثل النصارى واليهود .
    3- التحذير من طريقة اليهود والنصارى، والترهيب من سلوك سبيل الغاوين والبراءة منهم .
    4- التحذير من ترك العمل الذي وقع فيه اليهود، والتحذير من ترك العلم الذي وقع فيه النصارى .
    5- لا بُد من العلم والعمل معاً، وهذا هو سبيل المؤمنين، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾. قال ابن كثير: كلما كان العلم بالله أكمل، كانت الخشية لله أعظم وأكثر .
    6- على المسلمين: أن يدعوا الناس جميعاً إلى العلم والعمل معاً لهدايتهم إلى الصراط المستقيم .

    التحذير من صفات المنحرفين:
    1- قال الله تعالى: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وسلام: ﴿المَغضُوبِ عَلَيهِمْ﴾ اليهود و﴿وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ النصارى .
    2- قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ – الرغد: سعة العيش، حطة: حُط عنا ذنوبنا وأغفرها .
    أ- ( قيل لبني إسرائيل: ﴿وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ﴾ فبدلوا، فدخلوا الباب يزحفون على أستاهم، وقالوا: حبة في شعرة ، أستاهم: أدبارهم) .
    ب- وفي رواية الترمذي في قول الله تعالى: ﴿وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّد﴾، قال: ( دخلوا متزحفين على أوراكهم) .
    قال: وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾ .
    قال: قالوا: حبة في شعرة، وفي رواية: حبة في شعيرة .
    ج- قال الحافظ في (الفتح): والحاصل أنهم خالفوا ما أُمروا به من الفعل والقول، فإنهم أُمروا بالسجود عند انتهائهم شكراً لله تعالى، وبقولهم (حطة) فبدلوا السجود بالزحف وقالوا حنطة بدل (حطة) أو قالوا: حطة، وزادوا فيها حبة شعيرة. ويستنبط منه أن الأقوال المنصوص إذا تُعبد بلفظها لا يجوز تغييرها ولو وافق المعنى .

    من فوائد الآيات والأحاديث:
    1- الترغيب في سلوك سبيل المؤمنين، والترهيب من سلوك اليهود المغضوب عليهم لكفرهم وإفسادهم وقد تركوا العمل، ومن النصارى الضالين الذين فقدوا العلم، أما المؤمنون فقد جمعوا العلم مع العمل .
    2- التحذيـر من تحريف النصوص الشرعية للخروج بها عن مراد الشارع كما فعلت اليهود. لقد أمر الله اليهود أن يقولوا (حطة) فقالوا (حنطة) تحريفاً، وأخبرنا الله أنه (استوى) على العرش، فقال المتأولون: (استولى) فانظر ما أشبه لامهم التي زادوها بنون اليهود التي زادوها: (في حطة: فقالوا حنطة) .
    3- لقد تجرأ بعض المفسرين كالصابوني في (صفوة التفاسير) والقاضي أحمد كنعان في كتابه (قرة العينين على تفسير الجلالين) فقد قالا عند تفسير قول الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾. فقالا: وفي الحديث: ( يسجد لله كل مؤمن ومؤمنة)، الحديث رواه البخاري، فقد بترا أول الحديث:
    (يكشف ربنا عن ساقه): ولم يلتزما نص الحديث: (فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة)، لأن الفاء للعطف، و (له) يعود على الله. ولما سألت الصابوني عن سبب بتره لأول الحديث: وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( يكشف ربنا عن ساقه ....) الحديث، أجاب بقوله: كل المفسرين أولوا الآية. ثم قال: الذي أريده من الحديث أخذته .
    أ- وهذا خطأ كبير إذ أن المفسرين جُلهم لم يتأولوا الآية: كالطبري وابن كثير، وذكروا الحديث بتمامه، حتى قال العلامة صديق حسن خان، والشوكاني أيضاً عند تفسير ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ الآية: "إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل" ويقصدان الحديث الذي فسر الآية، وهو خير مفسر لكلام الله تعالى، وذلك لا يستلزم تجسيماً ولا تشبيهاً فليس كمثله شئ، ثم ذكرا قول الشاعر:

    دعوا كل قول عند قول محمد فما آمن في دينه كمخاطر

    ب- أما قوله: أخذت من الحديث ما أريده، لا يجوز لمفسر أن يقوله، لأنه غير معني الآية التي تثبت الساق لله تعالى على ما يليق به، فظهر من حذفه لأول الحديث لئلا يثبت الساق، ولأنه لو ذكره لبطل مراده وهو التأويل، وهذا نوع من التحريف والتبديل والتلاعب بالنصوص الذي حذرت منه الآيات السابقة، وسيأتي تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم لمثل هذا العمل الذي وقعت فيه اليهود والنصارى .
    ج- وقد فسر الصابوني آية ﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾: أي تدعوهم الشدة إلى السجود لله، وخالف تفسير الطبري الذي اختصره حينما قال الطبري: "ويدعوهم الكشف عن الساق إلى السجود لله".

    4- ومن هذا التحريف ما سمعته من أحد الخطباء يوم الجمعة حيث قال: جاء رجل أعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يرد له بصره، فرد له بصره، ولما انتهى لحقته، وقلت له: هذا الذي ذكرته نص الحديث ؟
    إنَّ نص الحديث يقول: جاء أعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسـول الله أدع الله أن يعافيني، فقال: (إن شئت صبرت، وإن شئت دعوت)، فقال: بل أدعه، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويدعو ...
    فقال لي: الذي أريده من الحديث أخذته، فقلت: هذا تدليس، لأنه أوهم الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي رد بصره، بينما الحديث ينص على أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له حينما طلب منه الأعمى الدعاء، وهي معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم، فرد الله له بصره، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك رد البصر ولا غيره .

    5- هذا التحريف الذي ذكره ابن القيم في تبديل النصوص، وهذا البتر لأول الأحاديث الذي غير المعنى هو من عمل أهل الكتاب، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أمته سيقعون فيه، فقال محذراً: (لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قالوا: اليهود والنصارى ؟ قال: فمن؟) – أي: فمن غيرهم- .

    معنى آمين:
    ويستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها: آمين، ومعناه: اللهم استجب، والصحيح: أنه يستحب ذلك لمن هو خارج الصلاة، ويتأكد في حق المصلي سواء كان منفرداً أو إماماً أو مأموماً وفي جميع أحوال الصلاة .

    1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمّن الإمام فأمنّوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه) .

    2- ولمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال أحدكم في الصلاة آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الآخر غفر له ما تقدم من ذنبه) .

    3- وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُعطيت "آمين" في الصلاة وعند الدعاء لم يُعط أحد قبلي إلا أن يكون موسى، كان موسى يدعو وهارون يؤمن فاختموا الدعاء بـ "آمين" فإن الله يستجيبه لكم) .

    4- ومن هنا نزع بعضهم في الدلالة بهذه الآية الكريمة وهي قول الله تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ فذكر الدعاء عن موسى وحده ومن سياق الكلام ما يدل على أن هارون أمن فنزل منزلة من الدعاء، لقوله تعالى: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَ﴾ فدل ذلك على أن من أمّن على دعاء فكأنما قاله: فلهذا قال من قال: إن المأموم لا يقرأ لأن تأمينه على قراءة الفاتحة بمنزل قراءتها، فدل هذا المنزع أيضاً على أن المأموم لا قراءة عليه في الجهرية، والله أعلم .

    5- قلت: وهذا هو الحق الموافق لما جاء في القرآن: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ فالإستماع والإنصات أمر من الله تعالى حتى نُرحم، فإذا استمعنا وأنصتنا تفرغ القلب للفهم، وإذا فهمنا مراده تعالى، عملنا بمقتضاه، فيرحمنا الله جزء ما عملنا بما فهمنا .
    أما إذا قرأ الإمام جهراً ونحن قرأنا معه فلا نستطيع في آن واحد فهم ما نقرأ وفهم ما نسمع، وإذا لم يحصل الفهم لا يحصل العمل، وإذا لم يحصل العمل فلا نُرحم. وكذلك فانه موافق لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إنما جُعِل الإمام ليؤتم به فإذا كبر، فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا ...) الحديث. هذا في الصلاة الجهرية أما في الصلاة السرية فتجب قراءة الفاتحة وراء الإمام وهاهنا يأتي دور الحديث:
    ( لا صلاة لمن لام يقرأ بفاتحة الكتاب) . والله تعالى أعلم .

    خلاصة تفسير الفاتحة:
    قد اشتملت هذه السورة الكريمة على حمد الله، وتمجيده، والثناء عليه بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العلى وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين وعلى إرشاد عباده إلى سؤاله والتضرع إليه، والتبرؤ من حولهم وقوتهم إلى إخلاص العبادة له وتوحيده، توحيد الألوهية تبارك وتعالى، وتنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل .

    والى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم وهو الدين القويم وتثبيتهم عليه حتى يقضي لهم بذلك إلى جواز الصراط الحسي يوم القيامة، المفضي إلى جنات النعيم في جوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكونوا مع أهلها يوم القيامة، وعلى الترهيب والتحذير من مسالك الباطل لئلا يُحشروا مع سالكيها يوم القيامة وهم المغضوب عليهم والضالون .

    وما أحسن ما جاء في إسناد الإنعام إليه سبحانه في قوله تعالى: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾ وحذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى: غير ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ﴾ .

    مفهوم الهداية والإضلال:
    1- لا شك ولا ريب أن الهداية والإضلال من الله تعالى، ولكن ليس هناك من شئ إلا وله سبب، فلما كان العناد والكفر حاصلين من قبل المشركين والكفار بعد بيان الحجة وقيامها عليهم .. كان من المناسب أن يعاقبهم الله على عنادهم وكفرهم من جنس العمل، فعاقبهم بأن مدهم في الضلال كما في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾، ﴿وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ فكان جزءً وفاقاً.

    2- أما المؤمنون فإنه لما أصغوا إلى الحق وأخلصوا النية بالفهم والتعقل وآمنوا كان من المناسب أن يكافئهم من جنس العمل فيسر لهم طريق الهداية ومدهم بزيادة من الفهم والعقل والإيمان، كما في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾. فكان ذلك جزاءً وفاقاً .

    3- ومما هو معلوم أن الهداية والإضلال من الله خلق، فهو الذي هدى المؤمنين بسبب استجابتهم للإيمان، وأضل الكافرين بسبب عنادهم وإعراضهم، فكان كما قلنا جزاءً وفاقاً، وهذا هو الذي رمى إليه المؤلف (ابن كثير) رحمه الله بقوله: (لا كما تقول الفرقة القدرية ومن حذا حذوهم أن العباد هم الذين يختارون ذلك ويفعلونه) أي الضلال، والهدى، لأن الهادي والمُضل هو الله تعالى، ولكن العباد يهيئون الأسباب وهذه الأسباب هي التفهم والعمل من المؤمنين، والعناد والإعراض من الكافرين، وهذه أفعال اختيارية محضة والاختيار عليه مدار الثواب والعقاب، أما الهداية نفسها، والإضلال نفسه، فمهما قطعاً من الله تعالى ولو أن الهداية من نفس المؤمن ومختار فيها لما طلبها منه تعالى بقوله: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾، وقوله: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَ﴾

    والله سبحانه وتعالى أعلم وهو الموفق للصواب .

    قراءة الفاتحة في الصلاة:
    عن أبي هريرة رضي الله عليه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، خداج، خداج: غير تمام) .
    فقيل لأبي هريرة: إنَّا نكون وراء الإمام؟ فقال: أقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، قال الله: حمدني عبدي. فإذا قال: ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾، قال: الله أثنى عليّ عبدي. فإذا قال: ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، قال الله: مجدني عبدي. فإذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، قال الله: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: أهدنا ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾، قال الله: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل).

    قال ابن كثير بعد هذا الحديث: بين تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة، فدل على عظم القراءة في الصلاة، وأنها من أكبر أركانها، إذا أُطلقت الصلاة وأريد بها جزء واحد وهو القراءة .

    هل تجب قراءة الفاتحة على المقتدي:
    اختلف العلماء في القراءة للمصلي خلف الإمام على أقوال:
    1- يجب على المقتدي قراءتها، كما تجب على إمامه: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) .

    2- لا يجب على المقتدي قراءتها سواء في الصلاة الجهرية أو السرية: لحديث: ( من كان له إمام فقراءة الإمام لـه قراءة) ولكن في إسناده ضعف كما قال ابن كثير في تفسيره.
    أقول: إذا كان الحديث ضعيفاً فلا يجوز العمل به، ولا تصح الصلاة بدون قراءة الفاتحة .

    3- يجب على المقتدي قراءة الفاتحة في السرية، ولا يقرأ في الجهرية: لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فانصتو). وهو قول قديم للشافعي، ورواية عن الإمام أحمد .

    4- يجب على المقتدي قراءة الفاتحة في سكتات الإمام، وهو قول طائفة من الصحابة والتابعين ممن بعدهم، وهو قول للشافعي في الجديد: "وسكتات الإمام: تكون عند آخر الآية، وفي آخر سورة الفاتحة، وفي آخر القراءة" قال بعض السلف في قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ .
    قال: الإنصات يوم الأضحى، ويوم الفطر، ويوم الجمعة (وقت الخطبة) وفيما يجهر به الإمام في الصلاة، وهذا اختيار ابن جرير: أن المراد من ذلك الإنصات في الصلاة الجهرية وفي الخطبة: كما جاء في الأحاديث من الأمر بالإنصات خلف الإمام، وحال الخطبة.

    أقول: إذا كان المقتدي لا يسمع قراءة الإمام في الجهرية لبعده عنه، وعدم وجود مكبر للصوت، فعليه قراءة الفاتحة.

    أخطاء شائعة في قراءة الفاتحة:

    أولاً: قراءة القرآن على الأموات: ولا سيما سورة الفاتحة:
    1- لأن القرآن أنزله الله للأحياء ليعملوا به، لا للأموات، قال الله تعالى عن القرآن: ﴿لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّ﴾، وفي الحديث: قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) .
    2- ذكر ابن كثير في تفسير قول الله تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ فقال: أي كما لا يحمل عليه وزر غيره، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه.
    ومن هذه الآية الكريمة استنبط الإمام الشافعي رحمه الله أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها للموتى، لأنه ليس من عملهم، ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، ولا حثهم عليها، ولا أرشدهم إليه بنص، ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
    وباب القربات يُقتصر فيه على النصوص، لا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء.
    فأما الدعاء والصدقة فذلك مجمع على وصولهما، ومنصوص من الشارع عليها .

    3- وسمعت امرأة سورة الفاتحة من الإذاعة فقالت: أنا لا أحبها، لأنها تذكرني بأخي الميت، وقد قرئت عليه "لأن الإنسان يكره الموت وما يلوذ به" .

    4- لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته أنهم قرأوا الفاتحة، أو غيرها على الأموات، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه عند فراغه من دفن الميت: (استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت فانه الآن يسأل) .

    5- لم يُعلم الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته أن يقرأوا الفاتحة عند دخول المقبرة، بل علمهم أن يقولوا: ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية) . –أي العذاب- فهذا الحديث يُعلمنا أن ندعو للأموات بالعافية من العذاب، لا أن ندعوهم أو نستعين بهم .

    6- لقد أنزل الله القرآن ليقرأ على من يُمكنهم العمل من الأحياء، أما الأموات فلا يستطيعون العمل به: قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾. أي: إنما يستجيب لدعائك يا محمد من يسمع الكلام ويعيه، أما الكفار فهم موتى القلوب، فشبههم بأموات الأجساد .

    ثانياً: قراءة الفاتحة للنبي صلى الله عليه وسلم:
    ليس عليها دليل من القرآن أو السنة، ولم يفعلها الصحابة، والدليل جاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم .
    1- قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾. في هذه الآية يأمرنا الله تعالى أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لا أن نقرأ له الفاتحة، أو ندعوه لتفريج الهموم.

    2- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشر).

    3- وقال صلى الله عليه وسلم: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم .....) والتوسل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروع عند الدعاء، لأنه من العمل الصالح فنقول مثلاً: اللهم بصلاتي على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم فرج عني كربتي وصلى الله على محمد وآله وسلم .

    ثالثاً: قراءة الفاتحة عند عقد النكاح:
    1- ليس عليها دليل من القرآن والسنة، وإنما هي من عادات الناس، ولا سيما إذا اعتقدوا أن عقد النكاح يتم بقراءتها، علماً بأن العقد لا يتم إلا بالصيغة الشرعية: وهو قول ولي الزوجة للزوج أو وكيله: (زوجتك ابنتي على مهر قدره كذا، فيجيب الزوج أو وكيله: قبلت تزويجك على ما ذكرت من المهر) .
    2- السنة في عقد النكاح أن يقرأ العاقد خطبة الحاجة، وقد بدأ بها النبي خطبه، وعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يبدأوا بها خطبهم، وهذا نصها: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً﴾﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمً﴾.
    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) .

    الخلاصـة: إنَّ قراءة الفاتحة للأموات، والى روح النبي صلى الله عليه وسلم، وعند عقد النكاح، وغيرها من البدع التي لا دليل عليها من الدين، وفي الحديث: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). وقال ابن عمر رضين الله عنهما: كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس أنها حسنة .
    وقال غضيف من السلف: لا تظهر بدعة إلا تُرك مثلها سنة .

    وهذه البدع أماتت سُنن: وهي:
    1- الدعاء للميت بالتثبيت، والاستغفار له، لأن الملائكة تسأله في قبره: من ربك ؟ ما دينك؟ من نبيك؟ .
    2- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: (قال البخاري: قال أبو العالية: صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة: وصلاة الملائكة: دعاء) .
    3- قراءة خطبة الحاجه (وتقدمت من قبل) والقول للزوج: بارك الله لكما، وجمع بينكما بخير.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 8:52 am